نبذة عن الكتاب
نُشرت «دكتور گلاس» في السويد عام 1905، فأثارت ضجّة القرّاء واستنكارهم بسبب تحليلاتها الجريئة، والتي اعتُبرت منفتحة جدًّا ومخزية، لمواضيع حسّاسة كثيرة. غير أن مؤلفها، يلمار سودربيري (1869-1941) باغتته ردّة الفعل تلك لأنه لم يكتب عملًا هجوميًّا، فلم تكن سطوره عنيفة، بل إنّه ألّف رواية أنيقة باتت الآن من كلاسيكيّات الأدب السويدي؛ رواية تتنفّس بعمق، وتتأمّل، وترسم الخريطة النفسيّة لشخصيّاتها بدقّة ومهارة، بينما تقرع أجراسًا لا تشذّ عن موسيقى الرواية ككُل؛ أجراس علاقة المرء بالجنس الآخر، والدين، والرغبة، والولادة والموت، والمدينة والريف، والدولة والقانون، والشباب والشيخوخة. نضع أيدينا على يوميّات دكتور گلاس، الطبيب الذي يعالج مرضاه في عيادته المنزليّة. لهذا فنحن لا نقرأها، بل نتلصّص عليها، على أوراق سريّة لا يُفترض بأحد قراءتها، وبخاصّة عندما تخطو في عُزلة الطبيب تلك الشقراء، هيلغا، متبرّمةً من القسّ، زوجها المتولّه بها حدّ الجنون، طالبةً أن تُعفى طبيًّا من واجباتها الزوجيّة تجاهه. تأخذ البغتة كلاس من هذا الطلب الغريب، فيغدو ذهنه مشغولًا بموازنة الأمور بين الصّحيح فعله والواجب فعله، بين الفكرة ونقيضها، وبين الانتظار ولعب دور فعّال؛ فيعود لكتابة يوميّاته التي انقطع عن تدوينها لسنوات طويلة متتبعًا كل ما يحدث حتى النهاية. كتبت مارغريت آتوود في تقديمها الترجمة الإنجليزيّة للكتاب، بأنه كلّما طلعت علينا حركة أدبيّة في العالم، وجدت في رواية «دكتور گلاس» تطبيقًا لمفهومها الجديد، وكأن الرواية لا تشيخ، بل تُكتب كل يوم؛ تنهض الرواية من المدرسة الواقعيّة للأدب والتي أسّسها الفرنسيون في القرن التاسع عشر، لكنها تتجاوز حدودها بحريّة. إن بعض فنيّات سودربيري في الكتاب، مثل مزج الأساليب الكتابية ومقاطع الكولاج الأدبية، نجدها في رواية «عوليس»؛ وهناك من المشاهد السوريالية ما لا يستطيع أحد إغفاله؛ ولو أنّ تاريخ نشرها تأخّر قليلًا لما التفت إليها أحد، ولو أنّه تقدّم بعض الشيء لواكب نهوض تيّار الوعي، ولاعتُبرت من أفضل كتبه قاطبة.